وفقًا لتقدير الأمم المتحدة، تضاعف استخدام المياه أكثر من ثلاثة مرات منذ خمسينيات القرن الماضي، أي أكثر من ضعف معدل النمو السكاني خلال قرن (The Global Risks Report 2020). وأصبحت هناك ضغوط متعددة على مصادر المياه في مختلف أنحاء العالم، تتراوح ما بين زيادة الطلب على المياه، والتغيير المناخي، وانخفاض مستوى جودة مياه الصرف غير المعالجة من مياه الاستخدام المنزلي والزراعي والصناعي. وتفضي هذه الضغوط إلى صراعات وهجرة وغياب الأمن الغذائي، خاصة في الدول النامية.
ومصر إحدى الدول التي تواجه مصادرها المائية الرئيسية تهديدات متعددة، من ندرة المياه ونقصها إلى التغيير المناخي. وتواجه مصر حاليًا تهديدًا من المنبع باتجاه الجنوب، نتيجة بناء سد النهضة الإثيوبي الكبير، الذي بلغت تكلفته 4.5 مليار دولار. وسيؤثر هذا السد بشدة على كميات المياه المتدفقة إلى دول المصب؛ السودان ومصر. وتعتمد مصر على نهر النيل مصدرًا للمياه العذبة بنسبة تفوق 97%. وتخصص 85% من هذه المياه للقطاع الزراعي. مع ذلك، تخضع هذه الكمية بالفعل لضغوط هائلة نتيجة لبعض العوامل؛ منها النمو السكاني.
وقد صنفت مصر منذ عام 2005 على أنها دولة تعاني من ندرة المياه. فوفقًا للأمم المتحدة، تعاني الدولة من نقص المياه water stress إذا انخفضت إمدادات المياه السنوية فيها عن 1700 متر مكعب للفرد. وتكون هناك ندرة مياه water scarcity عندما تنخفض حصة المياه السنوية عن 1000 متر مكعب للفرد، الوضع الذي تعاني منه مصر منذ 2005. وتكون الندرة تامة Absolute scarcity عندما تنخفض حصة الفرد من المياه عن 500 متر مكعب (Water scarcity | International Decade for Action, 2015). وتعاني مصر في السنوات الأخيرة من ندرة مياه حادة، حيث أشارت تقديرات رسمية في 2019 إلى أن حصة الفرد من المياه سنويًا حوالي 570 مترًا مكعبًا (Dakkak, 2020). ومع الزيادة المتوقعة في النمو السكاني، ونقص المياه، سيستمر انخفاض حصة الفرد من المياه. وتمثل ملوحة المياه تأثيرًا آخرًا، أو قلقًا، متعلقًا بندرة المياه. فمن المتوقع زيادة الملوحة مع انخفاض تدفق المياه، الأمر الذي قد يخفض الإنتاج الزراعي في دلتا النيل ويضر بالتربة.
وهناك جهود حالية لمواجهة هذه التحديات، فقد استحدثت الحكومة المصرية ترتيبات جديدة في قطاعات مختلفة لمقاومة ندرة المياه. ففي 2018، أقرت تعديلًا جديدًا على قانون الزراعة رقم 53 لسنة 1966. وتحدد الحكومة بموجبه مناطقًا محددةً لزراعة المحاصيل الأكثر استهلاكًا للمياه لترشيد استخدامها، مثل الأرز وقصب السكر. ومع ذلك، أوضح بعض الخبراء من ناحية أخرى، أن منع زراعة الأرز سيضر بالسيادة الغذائية (El Mahdoy, 2018). وكان تبطين الترع مشروعًا آخرًا رئيسيًا. ووفقًا لوزارة الري والموارد المائية، انتهت عمليات تبطين 1188 كيلومترًا من الترع في أنحاء مصر، من أجل تعزيز إدارة المياه وتوزيعها وضمان وصول المياه لنهايات الترع. ويستهدف المشروع أيضًا إنهاء تبطين 7000 كيلومتر بنهاية عام 2022.
وكانت هناك خطة طموحة أخرى للتكيف، وهي بناء مزيدًا من محطات تحلية المياه. وبحسب تصريحات وزير الإسكان عاصم الجزار في 2020، يوجد حاليًا في مصر 19 محطة تحلية للمياه تحت الإنشاء، علاوة على 65 محطة قائمة بالفعل. وهناك أيضًا خطة لقطع مياه النيل عن الساحل الشمالي والبحر الأحمر، والاعتماد على تحلية المياه في هذه الأماكن. ويعمل مركز البحوث الزراعية المصري على تطوير أصناف جديدة تتحمل درجات الحرارة العالية والملوحة والجفاف، لمواجهة تغير المناخ ونقص المياه. كما تعمل أيضًا منظمات دولية أخرى مثل البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة على تخفيف آثار ندرة المياه.
وبالإطلاع على الأدبيات والتقارير الصحفية، تتضح أربع فئات لصراعات المياه في مصر أو تحدياتها 1) ندرة المياه أو انقطاع مياه الشرب والري 2) عدم توفر الإمدادات وسوء إدارة المياه، 3) تلوث المياه، 4) التغيير المناخي والمياه. وتخلق هذه التحديات والقضايا فرصًا للصراعات والمشاكل على مستوى الدولة والمنطقة. ويهدف هذا التقرير إلى تلخيص المشاكل و التحديات الرئيسية التي يواجهها المصريون يوميًا مع موارد المياه المختلفة، وتأسيس منهجية بحثية لتصور خريطة لمشاكل المياه في مصر، اعتمادًا على الأدبيات التقارير الصحفية.