حقوق العمال

الإصلاحات العمالية البرازيلية: اعتداء خطير على حقوق العمال

الإصلاحات العمالية البرازيلية: اعتداء خطير على حقوق العمال

مقدمة المترجم

جاءت فكرة ترجمة مقال عن تعديل قانون العمل في البرازيل بهدف تقديم وجهة نظر جديدة للقارئ العربي عن التعديل وإطاره السياسي وحجم معارضته وفاعليتها، مع بعض الأمثلة لنتيجة هذا التعديل على العمال.

يذكر المقال الحالي أن تعديل قانون العمل البرازيلي جاء في ظل حكومة يمينية عملت على تفكيك معظم التقدم الاجتماعي الذي حصل عليه العمال منذ ثلاثينيات القرن العشرين، خصوصًا قانون التقاعد وقانون العمل، بالإضافة إلى جهود خصخصة شركات الكهرباء المملوكة للدولة والبنوك العامة.

قاومت النقابات تعديل القانون، ولكن الحكومة اليمينية ورجال الأعمال استطاعوا تمريره، فذهب النقابيون للمحاكم، فيما بدأ العاملون يعانون الفصل بعد إصداره.

تعيش البرازيل أزمة منذ تنصيب الانقلاب البرلماني للرئيس اليميني ميشال تامر. افتتح تامر حكمه بمهمة تفكيك المكاسب الاجتماعية التي حصل عليها العمال منذ ثلاثينيات القرن العشرين، لا سيما قانون التقاعد وقانون العمل، إلى جانب جهود خصخصة شركات مثل بتروبراس وشركات الكهرباء المملوكة للدولة والبنوك العامة. استكمالًا لهذه المقترحات، اتخذ تامر تدابير تقشفية تقيد ميزانيات التعليم والرعاية الصحية.

فكك تامر، الذي كان نائبًا للرئيس بين عامي 2010 و2016، ائتلافه الانتخابي مع حزب العمال (Partido dos Trabalhadores)، وتحالف مع الأحزاب السياسية اليمينية، وتولى رئاسة البرازيل بعد انقلاب برلماني في مايو 2016 أدى إلى عزل الرئيس الأسبق ديلما روسيف. كانت هذه العملية شكلًا جديدًا من أشكال «الانقلاب القانوني»، هدفت إلى تفكيك  قوانين العمل الموحدة التي يرجع تاريخها إلى أربعينيات القرن الماضي، وكذلك الميراث الاجتماعي لدستور 1988، والتقدم المحرز خلال حكم حزب العمال من 2003 إلى 2016، مثل الزيادات الحقيقية في الحد الأدنى للأجور ودعم الزراعة الأسرية وإجراءات القضاء على السخرة من بين أمور أخرى.

وعلى الرغم من دعمه الشعبي المتدني للغاية، الذي لم يزد عن 5% وفقًا لاستطلاعات الرأي الحالية، فقد حافظ تامر على منصب الرئيس بسبب دعم المصرفيين والإعلام وأصحاب الأعمال الخاصة والأحزاب اليمينية في البرلمان، وكان لكل من هؤلاء نصيبه من الكعكة. ستؤثر مجموعة السياسات الليبرالية الجديدة التي أقرت على البرازيل لسنوات عديدة، حتى تتمكن حكومة تقدمية من استعادة الرئاسة وعكس تلك السياسات.

تتناول هذه المقالة الحالة الخاصة للهجوم على قوانين العمل، بعد تطبيق القانون المعدل في نوفمبر الماضي. شعر العاملون فعلًا بالنتائج الأولية لهذا الهجوم، فتعرض مثلًا 1,200 معلم في إحدى الجامعات الخاصة للفصل الفوري بغرض توظيف معظمهم مرة أخرى، ولكن بموجب عقود أسوأ وأجور أقل.

ترسيخ حلم أصحاب العمل

اجتاحت إصلاحات العمل العديد من بلدان أمريكا اللاتينية مؤخرًا، بدءًا من كولومبيا ثم المكسيك والبرازيل، وسريعًا ما ستتبعهم الأرجنتين. على الرغم من الخصائص المختلفة لتشريعات العمل، فإن الخيط المشترك لهذه الإصلاحات الأخيرة هو إدراج أشكال جديدة ومرنة من عقود العمل.

منذ عام 1943 وحتى 2017، شملت أحكام قانون العمل الموحد في البرازيل إجازات إلزامية، وشهر إضافي عن كل عام (ويسمى الشيك الثالث عشر)، وصندوق يُدفع منه في حالة الفصل، وقواعد للتوظيف والطرد، وأجر للعمل الإضافي، وغيرها من الفوائد الاجتماعية. كان نظام العدالة العمالية حماية مهمة كذلك ضد جهود أرباب العمل للتحايل أو انتهاك القانون، وهو اتجاه أدى إلى العديد من الدعاوى القانونية التي رفعها العمال.

بدأ إصلاح العمل البرازيلي باقتراح من عام 2013 قدمه «اتحاد الصناعة الوطنية»، وهو المنظمة الرئيسية التي تجمع أصحاب العمل. برر الاتحاد تعديلات قانون العمل بكونها أداة لتحقيق قدر أكبر من التنافسية والإنتاجية، و«تنفيذ قواعد أقل تقييدًا تتسق مع علاقات العمل الحالية»، وفق التعبير المحبب لموظفي العلاقات العامة في الشركات. يعدل الإصلاح الذي أقره البرلمان نحو مائة مادة من القانون الحالي، ويمكن فرز التغييرات الرئيسية إلى أربعة محاور رئيسية، هي القواعد التي ساوم عليها أصحاب العمل في التشريعات، وتشمل العقود المرنة، خصوصًا العقود المتقطعة، وتقييد حق العمال في الوصول إلى محاكم العمل، ومهاجمة التنظيم النقابي وتمويله.

قد الأول كما لو كان مفيدًا للمفاوضة الجماعية، ولكنه ينوي في الواقع استبدال حقوق العمل التي يضمنها القانون التقليدي منذ الأربعينيات بشروط لا تخضع للرقابة أو أسوأ من قبل، يمليها أصحاب العمل عن طريق «المفاوضات». يمكن أيضًا تطبيق هذه الشروط الجديدة مباشرةً على العمال الأفراد الذين يحصلون على أجور أعلى، دون أي عملية تشاور أو مساومة.

تلبي عقود العمل المتقطعة حلم أي صاحب عمل برازيلي بامتلاك موظف طوال شهر كامل، مع أن يدفع له فقط مقابل الوقت الذي يعمل فيه بصورة فعالة. في مثل هذا النوع من عقود العمل، لا يحصل العامل على تعويض للوقت الذي لا ينتج فيه، وإذا لم يظهر الموظف عند استدعائه للعمل، فيمكن معاقبته بالغرامات.

تأسست محاكم العمل العمالية في البرازيل في ثلاثينيات القرن العشرين وكان لجوء العمال إليها مجانيًا، سواء فازوا أو خسروا قضاياهم. أما الآن بموجب القواعد الجديدة، يمكن تحميل العمال تكاليف التقاضي عندما تصدر محكمة العمل حكمًا ضدهم. في قضية حديثة رفعتها موظفة ضد أحد أكبر البنوك البرازيلية، بدأت قبل فترة طويلة من الموافقة على إصلاحات العمل، ضمن القاضي لها بعض الحقوق في ما يتعلق بتعويضها عن الطرد، ولكنه منع عنها حقوقًا أخرى في الوقت نفسه. نتيجة لذلك، حصلت الموظفة على 7,500 ريال برازيلي كتعويض، لكن أُمرت بدفع 75,000 ريال برازيلي، أي عشر أضعاف، لتغطية تكاليف القضية.

وأخيرًا، كان القانون الأول ينظم العمل والتمويل بطريقة تقليدية عن طريق العضوية النقابية الإجبارية والتمويل من ضريبة أجور يوم واحد تُجمع من جميع العمال سواء كانوا تابعين لنقاباتهم المحلية أم لا. وبصرف النظر عن إلغاء الضريبة، قدم القانون الجديد ممثلين عن النقابات ينتخبهم العمال في محل العمل يكونون مستقلين عن النقابة المحلية القائمة.

تبدو إجراءات إلغاء الضريبة وانتخاب الممثلين كما لو كانت مبادرات لفرض التنظيم على العمالة الحرة، ولكن الهدف الفعلي هو إضعاف النقابات العمالية الحالية. كان الاتحاد النقابي البرازيلي الرئيسي دائمًا ما ينتقد الوحدة النقابية التي يفرضها القانون بالإضافة إلى الضريبة الإجبارية، وهو من ثمَّ أشد استعدادًا من الآخرين لمواجهة الوضع الجديد. مع ذلك، فإن اعتماد الضريبة مرتفع بالنسبة للنقابات في القطاعات ذات معدل التدوير المرتفع والكثافة التنظيمية المنخفضة، مثل عمال التجارة والبناء، الذين سيواجهون بالتأكيد صعوبات في الحفاظ على قدراتهم التنظيمية.

تهديد للطبقة العاملة

كجزء من التوجه العام نحو تفكيك الحماية الاجتماعية وحماية العمل الواردة في دستور 1988، يقوض إصلاح قانون العمل الوضع التفاوضي لمعظم العمال البرازيليين، ويشكل تهديدًا صريحًا للطبقة العاملة. حشدت النقابات العمالية ضد الإصلاح ودعت إلى إضراب عام ناجح في أبريل 2017، ولكن هذا الإجراء لم يكن كافياً لمنع الموافقة على قانون العمل الجديد ضد جبهة قوية من الحكومة وأرباب العمل ووسائل الإعلام.

في الوقت الحاضر، يقاوم العمال عن طريق بعض الحلفاء القادرين على التشكيك في جوانب الإصلاح واستكشاف فجواته داخل محاكم العمل، أمام مجموعة القضاة ذوي الصلة بالحكم النهائي لمحكمة العمل العليا في الأشهر المقبلة، ويقاوم العمال كذلك عن طريق عمليات التعبئة المحلية والإضرابات لفرض مفاوضات أفضل مع أرباب العمل.

مع ذلك، فهناك احتمالان فقط للعاملين للتغلب على آثار الإصلاح. أحدهما على المدى القصير، وهو إلغاء الإصلاح بأكمله إذا تمكن الشعب البرازيلي من انتخاب رئيس تقدمي في عام 2018، والآخر هو التعايش مع القواعد الجديدة وتغيير الأشكال الحالية للتنظيم النقابي لمعالجة واقع جديد بسلاسل إنتاج عالمية. لكن هذه قضية أخرى.

 

ترجمة لمقال كيلد جاكوبسن وكارلوس سالاس المنشور على موقع الجامعة العمالية العالمية.