حقوق العمال

تطور تشريعات العمل الخاصة بالسلامة والصحة المهنية

مقدمة

حين بدأت الثورة الصناعية في أوروبا، انتقل الفلاحون بكثرة إلى المدن، حيث الصناعة، هربًا من الاستعباد الذي لاقوه من الإقطاعيين. وبدأت تظهر حوادث كثيرة تؤدي إلى إصابة هؤلاء المهاجرين، الذين ليست لهم معرفة بالصناعة وأخطارها. وكانت المصانع تعج بمختلف أنواع المخاطر. وكان الرأي السائد، انه إذا وقعت حادثة وكان المصاب سببًا فيها، لا يلزم صاحب العمل بأية مسؤولية على الإطلاق. وحينما زادت الحوادث بشكل مفزع، وصار الحديث عنها متداولًا، سنت قوانين وتشريعات تلزم أصحاب المصانع بتعويض المصابين عن الحوادث، حتى لو كانوا السبب في حدوثها. وحينئذ أهتم أصحاب المصانع بتحسين ظروف العمل، تقليلا لمبالغ التعويضات الواجبة التي سيترتب عليهم دفعها للمصابين، فقلت الإصابات لذلك.

إلا أن نسبة الحوادث عادت للارتفاع مرة ثانية. وكان السبب في هذا يرجع إلى كثرة المواد العضوية والكيميائية التي أدخلت في العمليات الصناعية، والتوسع في الاعتماد على الآلة في عملية الإنتاج. بالإضافة إلى سبب رئيسي أخر، هو عدم معاملة الأمن الصناعي (إداريا) بالتساوي مع أهم أهداف المنشأة، أي الربح.

وينظر إلى السلامة بوجه عام باعتبارها العلم الذي يسعى لحماية الإنسان وتجنيبه المخاطر في أي مجال، ومنع الخسائر في الأرواح والممتلكات كلما أمكن ذلك. والسلامة المهنية هي العلم الذي يهتم بالحفاظ على سلامة وصحة الإنسان من المخاطر التي قد يتعرض لها بسبب أداء عمله، وذلك بتوفير بيئة عمل آمنة خالية من مسببات الحوادث أو الأمراض المهنية. وهي أيضًا إطار تشريعي يضم مجموعة قواعد ونظم، تهدف إلى الحفاظ على الإنسان والممتلكات من خطر الإصابة والتلف.

ووفقًا لدليل المبادئ الأساسية للسلامة والصحة المهنية في بيئة العمل، الصادر عن منظمة العمل الدولية سنة 2016، أصدرت المنظمة منذ تأسيســها 189 إتفاقية، ونحــو 204 توصيـة مــن أجــل تحســين شـروط وظـروف العمـل، وتحقيـق أهـداف العمـل اللائـق، الذي يضـع السـلامة والصحـة المهنيـة محـورًا للاهتمام، للحـد مـن الحـوادث والأمـراض فـي مـكان العمـل، وتوفيـر حمايـة أفضـل للعمــال، مــن الأخطار الناجمــة عــن بيئــة العمــل غيــر الملائمة.

وجاء في الدليل نفسه “تقـع مسـئولية تحقيـق وتنفيـذ مهـام السـلامة والصحـة المهنيـة علـى أطـراف الإنتاج مجتمعة. فعلـى الحكومـات مسـئولية وضـع التشـريعات وسـن القوانيـن والنظـم التـي ُتؤمـن مراقبـة تنفيـذ شروط السلامة والصحـة المهنيـة، مـن خـلال مفتشـي السلامة والصحـة المهنيـة. وعلــى أصحــاب الأعمال مســئولية تنفيــذ شــروط السـلامة المهنيــة، ووضعهــا قيــد التنفيــذ الفعلــي والعملـي، وتزويـد العمـال المعرّضيـن للمخاطـر المهنيـة بوسـائل الوقايـة المناسـبة، لمنـع حـدوث الأمراض المهنية وإصابـات العمـل، وتوفيـر وسـائل الوقايـة العامـة مـن تهويـة وإنـارة وتأميـن منـاخ عمـل وجـو مناسـب، وتحقيـق بيئـة اجتماعيـة وإنسـانية مناسـبة .أمــا النقابــات وممثلــو العمــال فعليهــم مســئولية التوجيــه والتوعيــة فــي مجــال الســلامة والصحــة المهنيــة، والمشــاركة فــي لجــان الســلامة المهنيــة فــي المنشــآت”. 

وفي هذه الورقة سنأخذ جانبًا واحدًا من الجوانب الخاصة بمسألة السلامة والصحة المهنية، وهو الجانب التشريعي. وسوف نرصد التطور في تشريعات العمل المصرية الخاصة بمسألة السلامة والصحة المهنية، ومدي تنفيذ هذه التشريعات لما جاء في الدساتير واتفاقيات العمل والعهود الدولية.

 

لتحميل التقرير 

ولقراءة التقرير