: المقدمة
تعتبر ظاهرة العنف المدرسي واحدة من أكبر المشاكل التي تواجه العملية التعليمية والمجتمع بشكل عام، ولا تعد ممارسة السلوكيات العنيفة في المدارس بمعزل عن أشكال العنف في المجتمع، ولكن من نتائجها وإفرازاتها. ويعتبر أي شخص من كافة أفراد المجتمع المدرسي ممارسًا للعنف إذا صدر عنه سلوك عنيف، سواء كان العنف من الطلاب ضد بعضهم بعض، أو من المدرس أو ضده. وتمثل المدرسة ثاني أكبر مؤسسة اجتماعية وتربوية بعد الأسرة، حيث يقضي فيها الطلاب والمدرسين أغلب وقتهم، وتساعد في تشكيل وعي الطلاب وتكوينهم الشخصي والاجتماعي والنفسي.
ويفترض أن تكون البيئة المدرسية آمنة لعناصر العملية التعليمية من طلاب وإدارة مدرسية ومدرسين وأولياء أمور . وأن تكون بيئة مساعدة على التنشئة الاجتماعية السليمة في المجتمع، وتأهيل أفراده لتطوير ذواتهم وتنمية وتقدم المجتمع. وأن تكون طاردة لكل أشكال العنف من الضرب والتنمر والحط من شأن الآخر أو التهكم عليه. ومن المهم تدريب الطلاب على كيفية احترام الآخرين والدفاع عن أنفسهم دون الدخول في دائرة دائرة العنف المغلقة.
وينتشر العنف بجميع مستوياته، في كل المراحل الدراسية بمختلف القرى والمحافظات، سواء كان ذلك بين الطلاب وبعضهم بعض، أو ضد الطلاب من قبل غيرهم. ولكن من المعروف أن الضرر الأكبر من ممارسة السلوكيات العنيفة يقع على الطالب، حيث يمثل الحلقة الأضعف في العملية التعليمية، سواء كان العنف من المدرس، أو الإدارة، أو من زملاء الدراسة أنفسهم. ولم تمنع وزارة التربية والتعليم العنف في المدارس المصرية، إلا في نهاية القرن العشرين، عندما صدر في عهد حسين كامل بهاء الدين وزير التعليم الأسبق، قرارًا وزاريًا عام 1998 بمنع العنف واستخدام الإيذاء البدني مع الطلاب في المدارس ، ووجوب اكتفاء المدرس باستخدام الأساليب التربوية التي تعمل على تقويم سلوك الطالب. وفي عام 2014 ، صدرت لائحة جديدة، ثم تبعتها تعديلات جديدة أخرى في لائحة 2016، كانت أكثر شمولًا وتنظيمًا في حظر استخدام العنف في المدارس، وتنظيم العلاقات بين الطلاب وبعضهم بعض، وبين الطالب والمدرس في حالة صدور سلوكًا عنيفًا عن أي منهم.
وترتبط ظاهرة العنف المدرسي بمشكلات كثيرة ومعقدة، وتتدخل فيها أطراف متعددة أيضًا. فلا يكتسب الطالب السلوك العنيف من المدرسة فقط، بل قد يجلبه إليها من خارجها، حيث تعد حينها بيئة خام صالحة لمحاكاة الكثير من السلوكيات العنيفة. وبالتالي من المهم الوقوف على كيفية تعلم الطالب للسلوكيات العنيفة، أو تعرفه عليها. وتساهم عوامل كثيرة في ظاهرة العنف المدرسي مثل، مشكلات التربية، وفلسفة التعلم، والتنشئة الاجتماعية الخاطئه من الأسرة، وأساليب العنف التي يتبعها الأفراد عامة في حل مشاكلهم، بدايةً من الوالدين، إلى الأقران والمحيطين في الشارع أو المجتمع الأوسع ، والتي يشاهدها الطلاب وتسجل في ذاكرتهم باعتبارها وسائل لفرض الذات وحمايتها، أو حل المشاكل.
ونستنتج أن استخدام العنف يولد العنف، ولا يمكن أن يكون وسيلة لتعديل أو تحسين سلوكيات الطلاب، بل يساهم في مفاقمة المشكلة وليست حلها، خاصةً وأن استخدام المدرس لوسائل عقاب عنيفة، يؤدي إلى انتقالها للطلاب من خلال حفظهم لها في ذاكرتهم، واسترجاعها عندما تتاح لهم فرصة محاكاتها في مواقف اجتماعية أخرى.
ويحاول البحث رؤية ظاهرة العنف المدرسي من منظور الطلاب، للتعرف على أنواع العنف التي تمارس ضدهم في المدرسة، سواء مارسه المدرسون أو الطلاب، مثل الممارسات البدنية والمعنوية والرمزية والتحرش الجنسي، ومعرفة تأثير ذلك عليهم في حياتهم المدرسية والاجتماعية. ونهدف أيضًا إلى التعرف على رؤيتهم حول وجود وسائلًا أخرى، بخلاف العقاب البدني أو المعنوي، يمكن استخدامها لعقاب الطلاب، أو تعديل سلوكهم عند ارتكابهم أخطاء. وسوف يركز بحث آخر ، سنجريه بعد هذا البحث، على الطرف الثاني في المدرسة، أي دور المدرسين.
ولقراءة التقرير