أصوات من الميدان

الحرب على ثلاثة جبهات الأطباء المصريين: بين سرديات الجيش الأبيض واتهامات العمالة

منذ بداية الجائحة، قدم الأطباء المصريون أعظم الأمثلة على التضحية في العمل رغم الظروف الصعبة. حيث كانوا يعانون من ضغوط العمل الهائلة، والوضع الاقتصادي المتردي، والنقص في معدات الوقاية الشخصية ببعض المستشفيات، والهجوم المستمر على الفرق الطبية، سواء في صورة اعتداءات جسدية من  أهالي المرضى، أو انتقادات من وسائل الإعلام، أو ملاحقات قانونية وأمنية. ونحاول في هذا التقرير الميداني إيصال أصواتهم ومناقشة مطالبهم.

مقدمة:  بين الوباء والتخوين وضعف الإمكانيات

في فبراير ٢٠٢٢، يكون انتشار فيروس كورونا المستجد ومتحوراته المختلفة قد تجاوز العامين. خلالهما، فقدت الأطقم الطبية المصرية ٦٦٠ فردًا. وبعد وفاة الطبيب وليد يحيى البالغ من العمر ٣٢ عامًا في مايو ٢٠٢٠، والذي لم يتمكن من الحصول على سرير في مستشفى الحجر الصحي في القاهرة، ألقت نقابة الأطباء المصرية وبعض زملائه باللوم على نقص معدات الحماية والأسرة للأطقم الصحية. كما حذرت النقابة من أن النظام الصحي يمكن أن “ينهار”. وبينما اكتفت النقابة بالبيانات، ناقش عديد من الأطباء إمكانية الإضراب على وسائل التواصل الاجتماعي.

بالفعل، وبعد وفاة يحيى، هدد أكثر من ١٨ طبيبًا بالاستقالة، متهمين المستشفى بعدم توفير إجراءات السلامة الكافية وعدم توفر اختبارات الكشف عن الفيرس. وقال أحد الأطباء، الذين تحدثوا للباحث بشرط عدم الكشف عن هويتهم، إنهم وُصفوا “بالمتطرفين”، وهُددوا “بمداهمة منازلهم”. وأدت هذه الدعوات للإضراب إلى توجيه وسائل الإعلام الموالية للدولة اتهامًا للأطباء بأنهم “عملاء” لجماعة الإخوان المسلمين و أنهم جزء من “مؤامرات الجماعة الإرهابية”.  

وكانت نقابة الأطباء، وهي إحدى النقابات المهنية القليلة التي لم تتمكن الدولة حتى الآن من السيطرة عليها وترويضها، رأس الحربة في المطالبة بحقوق الأطباء والإبلاغ عن اعتقالاتهم، وتوثيق عدد الوفيات من أعضائها الذي فقدوا حياتهم بعد إصابتهم بالفيروس.

وأتى ذلك في الوقت الذي تبذل فيه الدولة المصرية جهودًا لرفع الروح المعنوية من خلال الترويج التلفزيوني والتغطية الإخبارية، واصفة الأطباء بأنهم “الجيش الأبيض” في البلاد، مع مقارنتهم بالجنود على الجبهة، تماشيًا مع المشاعر القومية المفرطة المستمرة التي طغت على وسائل الإعلام المرئية في البلاد منذ عام 2013.

وفيما يلي، خلاصة اللقاءات والمناقشات التي قام بها باحثو منصة العدالة الاجتماعية مع عدد من الأطباء والطبيبات المصريين/ات الذين اضطرتهم مهنتهم أن يكونوا خط الدفاع الأول، ليس فقط ضد الوباء الفتاك، بل ضد ضعف الإمكانيات ونقص الحماية والتخوين ايضًا. 

ضعف الإمكانيات والتدريب وانعدام الحماية المهنية

في يونيو ٢٠٢٠، قبل أسبوع واحد من تخفيف الحكومة المصرية للقيود التي كانت قد فرضتها استجابة للوباء، ألقى رئيس الوزراء مصطفى مدبولي باللوم على غياب “عدد من الأطباء” عن أماكن عملهم في المستشفيات الحكومية، باعتبار ذلك سببًا في زيادة عدد الإصابات والوفيات الناجمة عن فيرس كورونا آنذاك.

وانتقدت نقابة الأطباء المصرية، وأطباء ونشطاء آخرون عبر شبكة “الإنترنت”، ظروف العمل وضعف الإمكانيات. ويعكس الخطاب المتبادل العلاقة الخلافية بين الدولة المصرية والأطباء منذ بداية تفشي فيرس كورونا المستجد  في فبراير.

وفي نفس الشهر، خارج مبنى مستشفى إمبابة، استمرت مطاعم عديدة في العمل بعد ساعات حظر التجول لخدمة المرضى والعائلات المنتظرة خارج المستشفى والأطباء الذين يعملون في ورديات تزيد عن ١٢ ساعة. وكانت بينهم سارة طبيبة الأمراض الباطنية، التي أخذت استراحة لشراء بعض الطعام والتقاط أقنعة طبية من سيارتها. وأفادت “مش بس بنتعرض للضرب والإهانة من الأهالي والمرضى، ومش بس بنصرف من جيبنا عشان نشتري مسكات وجوانتيات، كمان بيتم اتهامنا بالتسبب في زيادة الوفيات.” 

لتحميل التقرير 

ولقراءة التقرير