في أواخر عام 2019، قال ابن صاحب العمل المراهق للعاملة المنزلية “نومسا” (ليس اسمها الحقيقي)، أن عليها ألا ترتدي ملابس داخلية عند قيامها بالتنظيف. وخوفًا من نواياه ومن الطرد، قررت “نومسا” عدم إخبار رئيسها. واقترب منها المراهق للمرة الثانية، وأجبرها على لمس جسده في أماكن حساسة. وعندما اشتكت “نومسا” لرئيسها ووالد الصبي، اتهمها بالكذب والإساءة إلى قاصر،ـ وفصلها على الفور. وعندما عادت إلى المنزل وأخبرت زوجها، اتهمها بإخفاء علاقتها مع الصبي وطلقها. قررت نومسا عدم الإبلاغ عن المعتدي عليها أو عن فصلها التعسفي. وعادت لموطنها زيمبابوي، مطلقة بلا عمل، وبقيت معها صدمة الاعتداء الجنسي، كناجية لكن محطمة.
وأثناء موجة الاحتجاج العالمي ضد العنف القائم على النوع الاجتماعي والتحرش، الذي شنته حركة (MeToo)، بقيت تجارب عاملات المنازل اللائي تعرضن للإيذاء من قبل أرباب عملهن غير مرئية، بشكل مثير للدهشة. وحيث معروف عالمياً، أن إساءة معاملة عاملات المنازل واستغلالهن تحدث خلف أبواب المنازل المغلقة، ظلت التفاصيل الدقيقة لمثل هذه الإساءات غير موثقة إلى حد كبير. وعلاوة على ذلك، نادرًا ما يوجه اتهامًا للجناة أو يحاسبون، لأن الناجيات، مثل “نومسا”، يدركن أن عواقب الإبلاغ قد تجعل وضعهن أسوأ.
وحتى الآن، لا يوجد حل تشريعي واضح للقضاء على العنف ضد عاملات المنازل في مكان العمل. وعلى الرغم من سياسات الحماية المعمول بها، لا توجد طريقة تقريبًا تمكن عاملات المنازل من الإبلاغ عن الإساءة دون خسارة وظيفتها. وبالتالي، يكون مجبرات على الاختيار بين العنف والفقر. ولا تتمثل الخطوة الأولى للتغيير في تطوير التشريعات، بل في إنفاذ القوانين القائمة بالفعل، وإضفاء الطابع المهني على ذلك المجال للعمل، من أجل القضاء على ثقافة الطابع غير الرسمي الذي تسمح بإساءة الاستخدام.
واقع العنف
ولسد النقص في معرفة الظاهرة، أجرى معهد Hlanganisa للتنمية بجنوب إفريقيا في مايو 2020، بمساعدة من تحالف (Izwi) للعمال المنزليين، بحثًا حول العنف القائم على النوع الاجتماعي الذي تواجهه عاملات المنازل في أماكن عملهن بجنوب إفريقيا. وركزت الدراسة على عاملات المنازل في ثلاث مقاطعات بجنوب إفريقيا: كوازولو ناتال، وجوتنج، وكيب الغربية. وكان حوالي نصف المشاركات من جنوب إفريقيا، والنصف الآخر من العاملات المهاجرات. وأفادت المشاركات في البحث، أنهن تعرضهن للاغتصاب والاعتداء الجنسي، وإجبرن على لمس اجساد أرباب عملهن بشكل مهين.
كما شملت الأشكال الأخرى للتحرش
- عرض مواد إباحية فى وجود العاملة.
- تجول صاحب المنزل بدون ملابس.
- كشف صاحب المنزل أو أولاده الذكور أجسادهم أمام عاملات المنازل”التعرى”.
- دخول غرف عاملات المنازل في جميع الأوقات، حتى أوقاتهن الخاصة.
- افتعال صاحب المنزل فرصًا لإدخال العاملة المنزلية إلى مكان استحمامه، بحجة احضار شيء ما أثناء الاستحمام.
- مطالبة عاملات المنازل بممارسة الجنس في مقابل أجر إضافي.
- إجبار عاملات المنازل عومًا على ممارسة الجنس مع صاحب العمل أو المنزل.
- إجبار العاملة المنزلية على تقبل لمس جسدها في أماكن حساسة.
- التعليق اللفظى على أجساد عاملات المنازل.
- طرد العاملة عندما ترفض الانتهاك الجسدي الذي تتعرض له.
- مطاردة عاملات المنازل على وسائل التواصل الاجتماعي بعد طردهن من العمل.
- التجسس على عاملات المنازل واستخدام تلك المعلومات فى انتهاكات العنف المبني على النوع الاجتماعي.
البيئة القانونية
يوجد في جنوب إفريقيا بعض لوائح العمل الأكثر تقدمًا في العالم بالنسبة للعمال المنزليين، حيث يشملهم قانون علاقات العمل، وقانون الشروط الأساسية للتوظيف، والتحديد القطاعي رقم 7 ، الذي يتضمن لوائح خاصة بكل قطاع. وتتوفر الحماية للعاملات من سوء المعاملة بموجب قانون المساواة في العمل وقانون الحماية من التحرش والقانون الجنائي (الجرائم الجنسية والمسائل ذات الصلة). لكن للأسف، لا يكلف معظم أرباب العمل في المنزل أنفسهم عناء الاطلاع على قانون العمل، ونادرًا ما يحاسبون أمامه. كما تستبعد عاملات المنازل من صندوق التأمين ضد البطالة (UIF) أيضًا، لأن أغلبهن لا يسجلن مطلقًا، ولا يُحاسب أصحاب العمل أبدًا على عدم الامتثال.
وفي أغسطس 2020، أصدر قسم التوظيف والعمل مشروع مدونة للممارسات اللائقة، بشأن منع العنف في عالم العمل والقضاء عليه. وكانت المبادئ التوجيهية المقترحة تدعو إلى وضع سياسات للموظفين، وإجراءات للإبلاغ عن وقائع التحرش، وتدريب الموظفين وبرامج التوعية. ومن غير الواقعي تمامًا توقع تطبيق أصحاب العمل في المنازل لهذه الإجراءات، بينما لا يعطون عمالهم حتى إيصالات بالراتب.
وبرغم التشريعات المعمول بها في تنظيم المعاملة العادلة ومنع العنف، فهناك أربع عوامل تساعد على الإساءة للعمال: التفاوت الحاد في القوة بين العمال وأرباب العمل، والطبيعة الحميمة لمكان العمل، وغياب الخيارات الفعالة لإعداد التقارير، والأجور شديدة الانخفاض.
ويعود أصل الوضع المعقد للعمل المنزلي المأجور والعمل الزراعي إلى استعباد الشعوب الأفريقية. وبينما اعترفت حكومة ما بعد 1994 فى جنوب افريقيا بهم كعمال رسميين لهم حقوق، لا يزال إرث العبودية يتغلغل في هذا المجال من العمل. وتمثل النساء السود الغالبية العظمى من عمال المنازل في جنوب إفريقيا. وتكون أجورهن منخفضة للغاية، مما يجعلهن في أدنى طبقة اقتصادية. ويعيشن في أقصى مستويات التمييز العنصري والجنسي والطبقي. ووفقًا لماجي مثومبيني، مديرة مؤسسة (إيزوي) والعاملة المنزلية السابقة، “ليس أصحاب العمل وحدهم من ينظرون إلينا باحتقار، بل الجميع في مجتمعاتنا. حتى أطفالنا يخجلون من القول إن والدتهم عاملة منزلية”.
يواجه العمال المهاجرون تحيزًا إضافيًا ضدهم بسبب الجنسية، في بلد تشهد أعمال شغب متكررة ومستمرة ضد الأجانب.
ولا يزال عديد من أصحاب العمل في المنازل يشعرون بحقهم في طلب أي خدمة، بغض النظر عن مدى كونها شخصية أو غير مرتبطة بالتوصيف الوظيفي للعامل. ويشعر العمال، غير الواعين غالبًا بحقوقهم وأمنهم الوظيفي، بالعجز عن الرفض. ويتفاقم هذا العجز عندما لا توجد اتفاقيات توظيف رسمية مكتوبة، أو تسجيل بصندوق التأمين ضد البطالة UIF، أو مساءلة صاحب العمل أمام قانون العمل.
مكان العمل يعقد الوضع
بالإضافة إلى ذلك، فإن العلاقة الحميمة المتمثلة في رعاية المنزل والأسرة تجعل مكان العمل معقدًا للوضع. فبلا شك، يتضمن العمل علاقات حيوية تسمح بعبور الحدود الشخصية، ويجبر هذا الشكل من العلاقات كلا من العاملة ورب العمل على التنقل الدائم فى مسارات العلاقة بين الشخصي والوظيفي. وفي مكان العمل العادي، لن يكون هناك مطلقًا مديرون أو زملاء يتجولون عراة، أو يطلبون من العامل تنظيف الواقي الذكري المستخدم أو الدماء، أو أى آثار مترتبة على علاقات حميمة. بينما تكون هذه المواقف شائعة بالنسبة للعمال المنزليين. وعلاوة على ذلك، ففي دراسة حديثة حول حقوق الإنسان للعمال المنزليين المقيمين، وجدت مؤسسة (إيزوي) أن 23٪ ممن اجريت معهم اللقاءات لا يتمكنون من إقفال غرفهم، و 18٪ ليس لديهم ستائر لحماية خصوصيتهم (Izwi 2021). وباختصار، تفتح العلاقة الحميمة القسرية المجال بسرعة أمام أصحاب العمل للاستفادة الجسدية والجنسية من العمال.
ولغياب مستويات الإدارة المتاحة لمعظم الموظفين، لا يمكن لعامل الخدمة المنزلية الذي تعرض للإساءة الإبلاغ عن الاساءة، لا لصاحب المنزل أو زوجته أو أي فرد آخر من أسرته. وكثيراً ما يتهم العمال الذين يختارون إبلاغ الشرطة بالكذب، وفي بعض الحالات يتعرضون للمضايقة أو الاعتداء من قبل الشرطة نفسها. كما يتعرض المهاجرون غير المسجلين للتهديد بالترحيل من قبل كل من أرباب العمل والشرطة.
وتشرح منظمة النساء في الاقتصاد غير الرسمي (WIEGO) التحديات التي تواجه عاملات المنازل في الوصول إلى العدالة ضد المعتدين. ورغم حقيقة كونهن محميات بموجب القانون: إلا أن “توجيه تهمة جنائية لصاحب العمل أو مقاضاته أمام المحكمة، لا تتفق مع الطبيعة الحميمة لعلاقة العمل المنزلي، وذلك مع افتراض إمكانية تدبير العاملة لقيمة التكلفة. وواقعيا، سيعني ذلك نهاية العلاقة الوظيفية. ورغم عدم قانونية ذلك، وأن للعاملة حق البقاء في وظيفتها قانونًا، لكن في الواقع لا يرجح حدوث هذا. والمتوقع أن تؤدي المطالبة إلى الفصل التعسفي. وربما يكون هناك تعويض، بدلًا من إعادة العاملة للعمل. والنتيجة هي أن العاملة لا تستطيع الدفاع عن حقوقها دون خسارة وظيفتها”.
وفي دراسة HiDSA، قال أحد المشاركين “يرى أرباب العمل أننا ضعفاء لأننا فقراء … وهم يعتقدون في إمكانية التلاعب بنا لفعل أي شيء، لأننا بحاجة إلى المال”. وبشكل حاسم، استبعدت عاملات المنازل من الحد الأدنى الوطني الكامل للأجور. ومعظم عاملات المنازل معيلات لأسرهن، في حين يجعلهن الحد الأدنى للأجور المنخفضة غير مستقرات مالياً. ويصعب عليهن للغاية ترك الوظيفة، حتى في مكان العمل المسيء، إذ ربما تؤدي بضعة أشهر بلا راتب إلى العوز.
إذن ما الحل؟ تتمثل الخطوة الأولى والأهم للقضاء على العنف القائم على النوع الاجتماعي في مكان العمل المنزلي في إضفاء الطابع المهني على هذا المجال من العمل. ويساهم كل صاحب عمل في جنوب إفريقيا لا يقدم لعامله عقدًا أو ايصال استلام للراتب على استمرار السمة غير الرسمية والسرية، التي تسمح بالعنف القائم على النوع الاجتماعي في مكان العمل.
وبإخفاق الحكومة في تطبيق قوانين العمل العامة التي تحكم العمل المنزلي، واستبعاد عاملات المنازل من الحد الأدنى للأجور وغيره من أشكال الحماية الاجتماعية، كانت رسالة رسالتها واضحة، مفادها أن العمل المنزلي لا يزال “قيد النظر”. وإلى أن يتم التعامل مع عاملات المنازل على أنهن مقدمات خدمات ولسن خادمات، سيستمر أصحاب العمل في انتهاك غرف نومهن بأمان، وفي إجبارهن على الصمت.
عن موقعى منظمة izwi ، و معهد Hlanganisa خلال 2020