عيد العمال.. الأصل أميركي والاحتفال عالمى

تحتفل كثير من دول العالم كل عام بعيد العمال أول مايو، احتفاءًا بالعمال وعملهم ونضالهم من أجل حقوقهم. وتعتبره بعض هذه الدول يوم عطلة رسمية. وتشهد فيه المدن مسيرات “عمالية” حاشدة.

ورغم هذا، استمر لعهد قريب تجاهل هذا اليوم، من الدولة التي جرى بها في تاريخه حدثًا، كان تخليد ذكراه السبب الرئيسي للاحتفال “بيوم العمال”. بل حددت بدلا منه يوما آخرًا للاحتفال بالعمل. والمقصود هنا الولايات المتحدة الأمريكية.

وبدأت الفكرة في أستراليا يوم 21 ابريل 1856، واستندت أساسًا إلى تحديد ساعات العمل بثماني ساعات. وانتقلت الفكرة عبر المحيط الهادئ إلى الولايات المتحدة وكندا، حيث بدأت تتصاعد المطالب بتحديد ساعات العمل.

لكن فيما يخص حقوق العمال، ربما لا يعرف كثيرون أن من أوائل العمال حصولًا على حقوقهم، خصوصًا فيما يتعلق بالعمل 8 ساعات يوميًا، عمال نيوزيلندا، تلك الدولة الواقعة في الزاوية الجنوبية للأرض.

وبعد الحرب الأهلية في الولايات المتحدة، وبعد فترة كساد طويل، حدث توسع كبير في مجال الإنتاج الصناعي. وكانت شيكاغو واحدة من أهم المراكز الصناعية الأمريكية في تلك الفترة. وهناك كان العمال، وغالبيتهم من أصول ألمانية، يحصلون على أجر لا يزيد على 1.5 دولار يوميًا، بينما يعملون ما لا يقل عن عشر ساعات يوميًا، لستة أيام في الأسبوع. وأصبحت المدينة مركزًا لنشاطات ومحاولات عديدة لتنظيم وتحسين ظروف العمل. إلا أن أرباب العمل اتخذوا إجراءات قاسية للرد على هذه الأنشطة العمالية، مثل طرد العمال من أعمالهم، ووضع أسماء العمال المنتمين إلى نقابات العمال في قوائم سوداء لمنع تشغيلهم. كما عينيوا عناصرًا لمكافحة المضربين عن العمل، ووظفوا لصالحهم جواسيس وبلطجية وقوات أمن خاصة. هذا فضلًا عن إثارة النعرات العرقية بين العمال بهدف تقسيمهم، وشراء ولاءات بعضهم.

وفي أكتوبر 1884، عقد اجتماعًا للاتحاد الوطني لنقابات العمال والتجار، حيث تقرر اعتبار الأول من مايو 1886 يومًا لبداية العمل 8 ساعات فقط.

وفي يوم السبت 1 مايو 1886، شهدت مدن أمريكية عديدة إضرابًا عامًا ومسيرات عمالية شارك فيها آلاف العمال. وكان الشعار الذي توحد خلفه العمال الأمريكيون جميعًا في ذلك اليوم: “8 ساعات في اليوم دون اقتطاع من الأجور”.

وبلغت تقديرات أعداد العمال المشاركين في المسيرات والإضراب العام، بين 300 و500 ألف عامل، من بينهم ما بين 30 و40 ألف عامل في شيكاغو وحدها. بينما جاب أكثر من ضعفي هؤلاء شوارع المدينة في مسيرات عمالية.

وفي الثالث من مايو، التقى العمال المضربون في شيكاغو قرب مصنع شركة ماكورميك لمعدات الحصاد، حيث منع المصنع عمال اللحام من دخول المصنع منذ فبراير، فيما سمح للعمال الذين رفضوا الإضراب بالعمل بصورة طبيعية، وسط معارضة العمال المضربين. 

وعندما انتهت ساعات العمل في المصنع ذلك اليوم، حاول حشد من العمال المضربين الاعتداء على العمال غير المضربين. فأطلقت الشرطة النار على المضربين. وأدى ذلك إلى مقتل عاملين، وفي روايات أخرى 6 عمال.

قضية هايماركت

وفي الرابع من مايو، احتشد العمال في مسيرة بدأت سلمية بالميدان، بحضور قيادات عمالية نقابية، ومشاركة نحو 3000 عاملًا. وقابلتهم أعداد كبيرة من عناصر الشرطة. وتوجهت عناصر الشرطة إلى سيارة الخطباء العماليين، وطالبت بفض الاحتجاج. وخلال المحادثة المشحونة، انفجرت قنبلة يدوية الصنع بين الحشود، فقتل 12 شخصًا، بينهم أفراد من الشرطة.

وبناء على تلك الأحداث، اعتقلت السلطات الأميركية 8 أشخاص من الفوضويين، واتهمتهم بالتآمر. وصدر الحكم بإعدام 7 منهم، بينما حكم على الثامن بالسجن 15 عاما.

من هنا أصبحت أحداث هايماركت أصل الاحتفال بعيد العمال العالمي في الأول من مايو.

وتجاوزت قضية هايماركت حدود الولايات المتحدة. وعبرت المحيط الأطلسي إلى فرنسا . وبلغت أصدائها عمال العالم.

وفي المؤتمر الأول للنواب للاشتراكيين الدوليين في باريس عام 1889، أحيا المؤتمر ذكرى ما بات يعرف باسم “مذبحة هايماركت”. ووجهت دعوات للتظاهر إحياءًا لذكرى ضحايا هايماركت في العام التالي، أي 1890، العام الذي تقرر فيه اعتبار أول مايو حدثًا عماليًا سنويًا.

ومنذ ذلك الحين، أصبح أول مايو احتفالًا دوليًا لإنجازات الحركة العمالية الاجتماعية والاقتصادية، طبعا باستثناء في الولايات المتحدة.

لكن، رغم أن الإلهام بعيد أول مايو، جاء من الولايات المتحدة، فقد خصص الكونجرس الأميركي عام 1958، أول مايو يومًا للوفاء، بينما ظل الاحتفال بعيد العمال في أول يوم اثنين من سبتمبر كل عام.

شارك:

عداد الديون