حقوق العمال راصد الاحتجاجات الاقتصادية والاجتماعية والعمالية

محرومون من الشكوى إلا أن الصراع مستمر تقرير الاحتجاجات لعام 2023

انخفض عدد الاحتجاجات المرصودة خلال عام 2023 بوضوح، إذ بلغت 874 احتجاجًا، بينما كانت 1890 احتجاجًا في العام الماضي. وتوزعت ما بين احتجاجات اجتماعية مثلت العدد الأكبر منها، 807 احتجاجًا، يليها العمالية مع 35 احتجاجًا، وأخيرا الاقتصادية مع 32 احتجاجًا. أما العام الماضي، فكانت موزعة بين 1751 احتجاجًا اجتماعيًا، و74 احتجاجًا اقتصاديًا، و65 احتجاجًا عماليًا.

وقد يرجع النقص الكبير في عدد الاحتجاجات المرصودة إلى المواجهة العنيفة لمحاولات الاحتجاج الواقعي على الأرض تحت ضغط التغييرات الكبيرة في الأسعار. ومن ذلك على سبيل المثال، القبض على عدد من عمال كريازي بعد تقديم إدارة الشركة بلاغات ضدهم إثر إضرابهم عن العمل، ثم فصلها عشرات العمال في محاولة لكسر الإضراب الذي تكرر بعدها مرات. ونذكر مثلًا آخر  عندما حكم في في يوليو 2023 على 14 من  أهالي عزبة أبو رجب بالحبس سنتين والغرامة 100 ألف جنيه لكل منهم، وإلزامهم برد العقارات التي يقطنونها بالعزبة، بدعوى ملكيتها للدولة

ويمكن أيضًا الإشارة إلى حملة القبض المشددة خلال النصف الثاني من عام 2023، سواء في مواجهة الحركة الناشئة للمجموعة الملتفة حول المرشح الرئاسي المحتمل حينها أحمد طنطاوي، أو محاولات التعبير عن التضامن مع غزة، خاصة بعدما تبين أن أي مساحة احتجاج واقعي على الأرض تتحول – في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة – إلى نقد مباشر للحكومة. وحتى لو اقتصر الأمر على إعلان المتظاهرين أنهم لا يفوضون أحدًا، وترديدهم هتاف “ المظاهرة بجد…مش تفويض لحد”، إلا أنهم وجهوا بالقبض على عشرات منهم  بعد ساعات قليلة من السماح بالتظاهر لنصرة أهل غزة.

وكان لحرب الإبادة في غزة آثرًا آخرًا، غير سلوك النظام تجاه المواطنين بشكل عام، وتجاه المحتجين منهم بشكل خاص. ففيما سبق، اعتاد النظام أوقات الانتخابات الرئاسية – وقد سبقها حوارًا وطنيًا هذه المرة- على تقديم بعد الترضيات للمواطنين، وتنفيذ بعض مطالب المحتجين. ويشجع هذا عادة العمال وغيرهم على اعتبار الانتخابات مناسبة لتحقيق بعض المطالب، فيقدمون علي الاحتجاج والمطالبة. 

ولكن خلافًا للمعتاد، ظهر العنف بوضوح في الطريقة التي تصرف بها النظام مع اعتصام المعلمين بالعاصمة الإدارية الجديدة، بسبب استبعادهم من التعيين ضمن مسابقة تعيين “30 ألف معلم” بعد نجاحهم في اجتياز كل الاختبارات. فتوجهوا للتظاهر أمام وزارة التربية والتعليم بالعاصمة الإدارية الجديدة، وعندها قبض الأمن الوطني على 14 معلمًا، ومنهم معلمتين.

كما أدت الحرب على غزة إلى صرف كل الأنظار إليها، وغض النظر عن كل ما يتعرض له المواطنين من معاناة نتيجة سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، حيث وصل الرقم الأساسي للتضخم في شهر يونيو 2023 إلي 41%، ووصل التضخم في أسعار الفواكهة والخضروات في شهر سبتمبر إلي 107.7% .

 وانعكس ضعف التغطية الإعلامية بوضوح على التغطية الإعلامية للاحتجاجات والشكاوي. وفي هذا الصدد يلاحظ عدم تغطية إضراب عمال غزل المحلة في فبراير الماضي سواء في الجرائد القومية، أو المواقع المحسوبة علي الحكومة.

إلا أن هناك أسباب أخري لما ظهر من نقص في رصد الاحتجاجات. هنا نذّكر بعنصر هام أشرنا إليه في التقرير السابق، وهو التحول من الاحتجاج الواقعي، اعتصام أو إضراب أو تظاهر، إلى أضعف الأيمان وهو الشكاوى. ولكن يبدو حتى أضعف الإيمان غير محتمل، حيث بدأت محاولات سد منافذ تقديم الشكاوى في مواقع الجرائد الحكومية وغير الحكومية. وكان الأهالي يبثون خلالها الشكاوى للمسئولين من التدهور المستمر في الخدمات المقدمة للمواطنين، كنوع من التنفيس عن الغضب. فعلي سبيل المثال، كان تاريخ آخر شكوى نشرها باب “بين الناس” في موقع صدي البلد الإلكتروني، يوم 3 سبتمبر 2023. وهكذا توقفت رسائل الشكوى رغم الفلترة الواضحة التي كانت تمر منها، والتي كانت تنعكس في تركيز أكثر الرسائل على مشاكل لا ترجع أسبابها إلى الحكومة، مثل الكلاب الضالة والمقاهي والقمامة. أما باب “بين الناس” على البوابة نيوز، فرغم استمراره، إلا أنه لم ينشر في 2023 سوى 7 شكاوى، في حين نشرت عليه 159 شكوى  عام 2022. كما لم ينشر باب “صحافة المواطن” في اليوم السابع أي شكاوى من المواطنين خلال عام 2023.

وتختلف هذه المقاربة للاحتجاجات جوهريًا عن مثيلتها وقت رئاسة مبارك. ففي أوقات الأزمات، حاولت الحكومات أحيانًا استرضاء عموم الناس عبر إجراءات تقلل من الاحتقان والأزمة. أو حتى عملت في أحيان أخرى على تحييد بعض الفئات؛ كالموظفين عبر علاوات غلاء المعيشة أو زيادة الحوافز، مع فتح باب إمكانية التطبيق على عمال القطاع الخاص حال لجوئهم إلى الحركة والاحتجاج للمطالبة بتنفيذ تلك القوانين والقرارات. وبهذا الأسلوب الذي يشبه استخدام صمامات الأمان، عكف “ترزية” مبارك علي ضبط ميزان الغضب العام في الشارع المصري، مع السماح  بتنفيس جزءًا من الغضب من وقت لآخر حسب الحاجة، عبر الاحتجاج أو الشكوى.

لذا، وبعد ثورة يناير 2011، ربما توجست الحكومات المتعاقبة من هذا الأسلوب باعتباره غلطة مبارك التي أدت للإطاحة به، إذ تطور السماح بالاحتجاج حتى وصل الى ثورة. فشاهدنا بعدها استعمال مقاربة واحدة، وهي إغلاق المجال العام بكل منافذه، حتى لو كانت مجرد شكوى، واستخدام الترهيب بأقصى صوره. ولا يمكن نفي أن السماح بالحراك بشتى أشكاله يؤدي إلى تراكم يصل لانتفاضات أو ثورات. ولكن في الوقت ذاته، لا يحل القمع والمزيد منه المشكلة. بل قد يؤدي التوتر المكبوت إلى انفجار أسوأ مما وقع لمبارك. فطبقاً لقوانين الطبيعة، إذا سدت كل صمامات خروج بخار الغضب الزائد- فلن يبقى الوضع للأبد دون انفجار! ورغم صعوبة تخمين وقت ذلك، إلا أن الانفجار كلما تأخر كانت عواقبه أوخم.

ويمكن بوضح رصد أن هذا السلوك العنيف، قد يكون ناجحًا في خفض سقف طموحات المحتجين – ولو مؤقتاً. فبعد خروج ملايين البشر عام 2011 للمطالبة بتعيير النظام برمته، انحصرت الطموحات في تحسين بعض شروط العمل وظروفه وبعض الخدمات.  

وفيما يلي سوف نستعرض توزيع الاحتجاجات المرصودة في 2023؛ جغرافياً، وعبر القطاعات، وشهر الاحتجاج خلال العام. كما سنقف كذلك على الفاعلين الرئيسيين في تلك الاحتجاجات، وطريقة الاحتجاج، وأسبابه ومطالبه. وفضلًا عن هذا، سنورد أمثلة من تلك الاحتجاجات.

للإطلاع على التقرير:

عداد الديون