مقدمة
“أن تمثال ديليسبس أسقط مرتين الأولى في 1956، والثانية في 2020، لتظل القاعدة على حالها شاهدا على نضال شعب أسقط رمز الاستعمار رغم أنف المستعمر ومن والاه.. قد هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية“.
(أحمد رجب، مواطن بورسعيدي)
في الفترة الأخيرة، دار النقاش حول ديليسبس، بخصوص علاقته بالحركة الوطنية في بورسعيد. وديليسبس هو المهندس الذي ارتبط اسمه واتصل بشكل مباشر بمشروع قناة السويس منذ بدايته. وتم إحياء ذكراه بإقامة تمثال له، ووضعه في المدخل الشمالي لبورسعيد. وتزامنت إعادة التمثال مع بداية حركة عالمية مناهضة لإقامة تماثيل تصور مختلف الوجوه المستغلة للشعوب. وشوهدت نماذج منها في الولايات المتحدة، على أثر مقتل جورج فلويد بوحشية على أيدي الشرطة. وبدأت الحركة وامتدت داخل مدن ودول في أنحاء أوروبا والهند وجنوب أفريقيا. وعلى نفس المنوال شهدت مدينة شروزبري في بريطانيا حركة عالمية أخرى ضد الاستعمار، حيث أحرق الشعب نصبًا لشركة الهند الشرقية، التي كان أداة رئيسية للاستعمار، وتصدرت مجموعة مختلفة من الجرائم ضد الإنسانية أثناء الموجات الاستعمارية في أوائل القرن العشرين.
وشهدت منصات التواصل الاجتماعي في الفترة الأخيرة نقاشات حول محاولة إعادة تمثال ديليسبس إلى بورسعيد، حينما كان الأهالي نيامًا. ورغم تعدد المحاولات والمناقشات الحكومية لإعادة التمثال منذ بداية العقد الأول من الألفية، إلا أن الغضب العارم كان رد الفعل المنتشر فيما بين البورسعيديين. ولكن اختلفت هذه المرة قصة إعادة التمثال. ويرجع ذلك إلى أن البورسعيديين لم يواجهوا من قبل بالإعادة الفعلية للتمثال. فلم يخرج الأمر سابقًا عن مجرد شائعات أو مناقشات. ولكن هذه المرة، أعيد ديليسبس دون أي مشاورات مع الرأي العام. بل أُعيد إلى قاعدته فجأة. واستيقظ البورسعيديون على ضجة كبيرة.
تناقش هذه الورقة الروايات المختلفة حول هذه الشخصية التاريخية المثيرة للجدل، التي خلقت حالة من الاستقطاب في ردود الفعل عبر بورسعيد ومصر بوجه عام. ونبدأ بتقديم ديليسبس وفقًا للخطابات الوطنية، ثم نلجأ إلى تقديم إشارات مختلفة إلى الحركات: سواء الداعية إلى عودة ديليسبس أو الرافضة لها تمامًا، وذلك بينما ننقب في رواياتها وأطرها. وأخيرًا نختم بطرح أسئلة حول الروايات التاريخية المتنازعة والمتقلبة، التي تواصل تشكيل الحاضر والتشكل من خلاله.
ولقراءة التقرير