يضع مفهوم “أنسنة العمران” الإنسان في قلب عملية تخطيط المدن. ويمكن الحديث عن أنسنة المدينة بما أن المدينة هي أكبر وأهم منتج للعمران. وتعني أنسنة المدن جعل المدن وسيلة لتحسين الظروف المعيشية لقاطنيها، وليس بوصفها إطارًا مجردًا وعقلانيًا وفوقيًا يخضع له السكان. يعيد مفهوم “أنسنة” المدن ترتيب الأولويات، ويراجع نظريات العمران المرتبطة بالحداثة. كما يطرح شبكة من القضايا والقيم والمفاهيم الجديدة. ونجد كل ذلك في الدعوة إلى وجود شوارع وأرصفة ملائمة للمشاة، ومباني صديقة للبيئة، ومدن مرنة وحيوية، ومساحات عامة ذات مجال لممارسة الأنشطة المختلفة والتفاعل والتواصل.
يتعلق الطابع الإنساني للمدينة بتحويل الأماكن المادية لفضاءات ديناميكية واجتماعية وثقافية، في محاولة لإبراز مضمون السياق المادي ومعناه، والإهتمام بالمحلي والخصوصيات في تنوعاتها. ومنذ الستينيات اشتبك مفكرون معماريون عديدون مع النظريات المعمارية السائدة، والتصميم والتخطيط العمراني السائد، المرتبط بعصر الحداثة، والقائم على أولوية قيم الاستمرارية والكفاءة والوظيفية والمعايير العقلانية المسبقة. عُرفوا هؤلاء المفكرين بالمنظرين الإنسانيين “Humanist Theorists”. وسعوا هؤلاء المفكرون إلى إنقاذ الاحتياجات الإنسانية الأساسية للتواصل والتفاعل والاندماج والألفة، التي تم نسيانها خلال عملية الحداثة، والتي أدت إلى إنشاء المباني الشاهقة والمجمعات الصناعية والطرق المرتفعة. وانتشرت هذه المجادلات والأفكار على مستوى الأكاديمي والعملي. وتبناها مؤتمرا الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية في الموئل الثاني 1996 والموئل الثالث، في دعوتهما إلى “أنسنة المدينة” والحاجة إلى نموذج جديد للتنمية الحضرية، تكون المدن فيه متمركزة حول الإنسان. ليصبح الإنسان ورفاهيته هدفًا لهذه التنمية وفاعلًا فيها.
كما كان مفهوم أنسنة العمران في قلب الحديث عن الاستدامة، خاصة الاستدامة الاجتماعية التي أصبحت تشمل المتغيرات غير الملموسة؛ مثل الشعور بالمكان والشعور بالهوية والرضا والاندماج الاجتماعي والمشاركة، حيث ظهر مفهوم الاستدامة الاجتماعية الحضرية متعلقًا بتأثيرات التصميم الحضري والتخطيط المادي على الاستدامة الاجتماعية.